Friday, January 11, 2008

صديق من زمن الفن الجميل

.
.
صورة كاريكاتورية لصديقي عمرو عاطف
.
عرفت عمرو عاطف منذ أول لحظة لي في كلية الطب البشري...إلا أن رأي فيه لم يتجاوز رأي الكثيرين ممن لم يعرفوه جيدا أو يقتربوا منه....فللوهلة الأولى ستعتقد أنك أمام شاب لا يبالي بأي شيء في الحياة,فهو دائم المرح والمزاح, واثق من نفسه لدرجة قد تصل لحد الاعجاب بالنفس ....وربما أكثر ما سيشد انتباهك له في هذه المرحلة هي ضحكته الطاووسية المميزة التي يمكنك أن تسمعها من على بعد أمتار
.
عمرو عاطف وهو يضحك
.
وظل الأمر هكذا حتى بداية السنة الدراسية الرابعة,كانت هذه الفترة من الفترات العصيبة والقاسية في حياتي,بدأت أشعر
فيها أني غريب عن كل ما هو حولي ,عن الدراسة, عن الكلية وعن الجامعة...حتى أصدقائي وزملائي لم تعد هناك أي اهتمامات أو نقاط فكرية مشتركة تجمع بيننا,وبدأت أشعر بغربة قاسية....ومع الأسف فإن أحدا لم يلتمس لي العذر يومها, ولم يستطع أحدهم تفهم موقفي في ذلك الوقت ,بل كثيرا ما كان يتهمني البعض بعدم الاكتراث بالصداقة أوقلة التقدير للأصدقاء...وفي الحقيقة لست أدري ما هو السبب الذي كان وراء هذا كله,إلا أني أعزيه الان إلى ظروف مررت بها جعلتني أغير كثيرا من أفكاري واهتماماتي ونمط حياتي
.
من اليمين عمرو عاطف وأنا بعد إحدى الحفلات
.
وفي إحدى المرات وبينما كنت أجلس مع أصدقائي هاجمني هذا الشعور مجددا ووجدتني انسحب في هدوءمبتعدا عنهم.....لم أكن أعلم حينها أن القدر في هذه اللحظة بدأ يكتب أول صفحة من صداقتي بهذا الرائع عمرو عاطف وهي صداقة جعلت لسنوات دراستي الأخيرة في كلية الطب طعما مختلفا ,فلقد أصبحت مليئة بالمتعة والتشويق والأمل.1
فبدون قصد ومن غير سابق ترتيب وجدتني ثاني اثنين,سائرا أنا وهو بعيدا عن محيط كليتنا,إلى أن وجدنا نفسينا في ساحة كلية الطب البيطري, وهناك أخبرته بهذا الشعور الذي بدأ يتسلل إلي شيئا فشيئا...وكانت المفاجأة....فلقد أخبرني أن لديه شعورا مماثلا ,وأنه يحاول إعادة الكثير من حساباته وتغير الكثير من الأشياء في حياته,ومنذ تلك اللحظة بدأت صداقتي بعمرو عاطف تزداد يوما بعد يوم
.
في إحدى الرحلات
.
هناك الكثير من الأشياء التي جمعت بيني وبين صديقي عمرو عاطف إلا اني سأذكر هنا أكبر فكرة جمعت بيننا وكان لها نصيبا كبيرا من تفكيرنا ونقاشاتنا بل ومن مجهودنا أيضا في فترة الدراسة,هي فكرة أطلقنا عليها اسم((الرقي الانساني)),حيث قمنا برسم هرم أسميناه (هرم الرقي الانساني)وقسمناه إلى عدة طبقات,وكتبنا على الطبقة الأولي والتي تشكل قاعدة الهرم كلمة(الإيمان)ثم الطبقة التي تليها(العلم)ثم الطبقة التي تعلوها(الفن)ثم(الثقافة)وهكذا حتى وصلنا لقمة الهرم...وتعاهدنا على أننا سنحاول في كل يوم -قدرالإمكان- أن نرتقي بأنفسنا وبشخصيتنا على جميع هذه النواحي والأصعدة,ففي كل يوم سنحاول أن ندرس بجد وأن نتعلم شيئا جديدا,وفي كل يوم سنحاول أن نطلع ونقرأ ونتثقف,وفي كل يوم سنمارس هواية تنمي الفنان الذي بداخلنا وهكذا,ولكن بشرط أن يكون هذا كله على قاعدة من الإيمان والنية الخالصة
.
في حجرة الدرس ... عمرو عاطف جالسا وأنا واقفا
.
والان وبعد أن أنهينا دراستنا في كلية الطب,أستطيع أن أقول أن عمرو عاطف قد حقق نجاحا كبيرا في كل ما سبق
فهو شخص مشهود له بالتفوق العلمي,وأنا شخصيا استفدت من علمه كثيرا حتى إني حرصت دائما على أن نكون سويا في فحص الحالات ومناقشتها وكتابة التقارير عنها,وبفضل الله ثم بفضله تحول هذا الأمرمن هم وغم إلى رحلة علمية مليئة بالإثارة والتشويق
.
أما من الناحية الثقافية فهو كثيرا ما كان يشجعني على حضور الندوات والأمسيات الثقافية سواء تلك التي كانت تقيمها الجامعة أو قصور الثقافة وأذكر منها مثلا (أوبريت الليلة الكبيرة)للرائع جاهين والموسيقار العظيم الشيخ سيد مكاوي,وبالطبع كانت لمعارض الكتاب حظا
عظيما من زياراتنا ومن نقودنا كذلك
.
عمرو عاطف يقوم بالدعاية لواحد من المراجع الطبية التي قمنا بشرائها
.
أما من الناحية الفنية....فصديقي عمرو عاطف فنان تشكيلي لا يشق له غبار,حازت لوحاته على كثير من الجوائز على
مستوى الجامعات المصرية,وهو خطاط من الطرازالأول,وممثل مسرحي بارع أهلته موهبته ليكون بطلا لأول مسرحية تنظمها كلية الطب وكان اسمها الرهان...وهو يؤمن بأنه كلما ازدادت مواهبك وعملت على تنميتها وصقلها كلما انعكس ذلك بالايجاب على مهنتك واستيعابك للحياة وحتى على معاملاتك مع الاخرين
.
في الكواليس قبل بدء العرض المسرحي
.
وأذكر أن هذه النقطة بالذات(أقصد الجانب الفني في شخصية الإنسان)شكلت عقبة كبيرة في هذه المرحلة,فأنت يمكنك وبسهولة أن تقنع أي شخص بأن الإسلام لا يتعارض مع العلم أو مع الثقافة,ولكنك ستجد صعوبة بالغة في اقناع الكثيرين بأن الفن أيضا لا يتعارض مع الإسلام وأنك لكي تصبح مسلما متكاملا لا يكفي أن تكون عالما راقيا ومثقفا راقيا بل لابد أيضا أن تكون فنانا راقيا وبالطبع وقبل هذا كله لابد وأن تكون ملتزما بفروض دينك وواجباتك نحو الله....إلا أن كثيرا من الناس وللأسف لا يرى في الفن إلا مضيعة للوقت او كما قال لي أحدهم ذات مرة:((أنا مش فاضي للكلام الفارغ ده)).1
.
عمرو عاطف مع بعض لوحاته
.
الفتاة والجيتار.....واحدة من روائع الفنان عمرو عاطف عبد السلام
.
إن أهم ما يميز شخصية صديقي عمرو عاطف هو أنه مجد في العمل,متجدد الأمل,باحث عن الأفضل,واضح الرؤية.....سألته ذات يوم :((من هو الشخص الذي يمكن أن نطلق على حياته أنها كانت ذات قيمة؟)).1
فرد علي قائلا:((هو الشخص الذي لم يعش حياته لنفسه,بل عاشها ليساعد الاخرين ويرفعهم معه)).1
.

.
.
وفقك الله وسدد خطاك يا صديقي العزيز
عمرو أبوالحسن
.
.
.